1. البدايات: الحاجة لتقوية الخرسانة
في أوائل القرن العشرين، كان نظام الخرسانة المسلحة التقليدي يعتمد على حديد التسليح لتقوية الخرسانة في حالات الشد، لكنها كانت تواجه تحديات في مقاومة التشققات والشد العالي، خصوصًا في الجسور والبلاطات ذات الامتدادات الكبيرة.
كان هناك حاجة لحل هندسي يسمح بتحسين أداء الخرسانة، مع تقليل استهلاك المواد وزيادة صلابة العناصر الإنشائية.
2. التطور الأولي: نظام الـ Pre-Tensioning
في عشرينيات القرن الماضي، ظهر مفهوم شد الكابلات مسبقًا (Pre-Tensioning)، حيث يتم شد الأسلاك أو الكابلات الفولاذية قبل صب الخرسانة، وبعد تصلبها يتم فك الشد، مما يولد قوة ضغط داخلية في الخرسانة.
هذا النظام كان مثاليًا للأجزاء المصنعة في المصانع مثل العوارض والكمرات الخرسانية، لكنه محدود في تطبيقاته في الموقع.
3. اختراع البوست تنشن (Post-Tensioning)
-
في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، جاء الابتكار الأكبر بنقل فكرة الشد بعد صب الخرسانة.
-
في هذا النظام، يتم صب الخرسانة أولاً مع وضع كابلات فولاذية داخل قنوات (ducts)، ثم بعد تصلب الخرسانة يتم شد هذه الكابلات بآليات خاصة (hydraulic jacks).
-
هذه التقنية تعطي مرونة أكبر في الموقع، تسمح بتنفيذ بلاطات وأعمدة وأساسات بأحجام ومساحات أكبر دون الحاجة لكمرات وأعمدة كثيرة.
-
يُعتقد أن نظام البوست تنشن تم تطويره بشكل أساسي في الولايات المتحدة الأمريكية من قبل عدة مهندسين وشركات بناء، من ضمنهم Joseph S. Mitchell وفرق بحثية في الجامعات.
4. أولى المشاريع الكبيرة التي استخدمت البوست تنشن
-
في منتصف الأربعينيات وحتى الخمسينيات، بدأت تظهر مشاريع جسور وبلاطات في الولايات المتحدة تستخدم نظام البوست تنشن، مع نتائج مبهرة من حيث تقليل الوزن وزيادة المساحات المفتوحة.
-
مثال مشهور هو جسر سان فرانسيسكو-أوكلاند (San Francisco-Oakland Bay Bridge) حيث تم تطبيق أنظمة شد لاحقة لتحسين الأداء.
-
منذ ذلك الحين، توسعت استخدامات النظام في مشاريع متعددة مثل مواقف السيارات متعددة الطوابق، المنشآت الرياضية، الفنادق، والمباني التجارية.
5. انتشار وتطوير النظام عالميًا
-
في الخمسينيات والستينيات، انتشر نظام البوست تنشن في أوروبا، اليابان، ودول الخليج، مع تطوير مستمر للمواد والأدوات المستخدمة.
-
تم اعتماد معايير دولية مثل ASTM الأمريكية وBS البريطانية لتوحيد استخدام المواد وتصميم الأنظمة.
-
مع التطور في تقنيات الشد والمواد، أصبح النظام قادرًا على تحمل أحمال أكبر وفي مساحات أوسع، مع ضمان عمر أطول للمباني.
6. أهم مزايا البوست تنشن التي جعلته ثورة هندسية
-
تقليل سماكة البلاطات بشكل كبير، مما يقلل من وزن المبنى.
-
توفير مساحات داخلية أوسع بدون أعمدة، مهم جدًا في الفنادق والمشاريع الكبرى.
-
زيادة مقاومة التشققات والانحناءات.
-
تحسين عمر المبنى وتقليل الصيانة.
-
تقليل استخدام الحديد والخرسانة، بالتالي تقليل التكلفة الإجمالية.
7. التطورات الحديثة
-
اليوم، نظام البوست تنشن يدمج تكنولوجيا حديثة مثل:
-
كابلات مقاومة للصدأ (ملفوفة أو مغلفة).
-
أنظمة حقن الجراوت المتطورة لتحسين حماية الكابلات.
-
برمجيات تصميم وتحليل متقدمة لتخطيط الشد بدقة.
-
-
كما تستخدم تقنيات البوست تنشن في مشاريع ضخمة مثل ناطحات السحاب، الجسور العملاقة، والملاعب الرياضية.
خلاصة
-
البوست تنشن هو ثمرة تطور هندسي مستمر بدأ في أوائل القرن العشرين، وتم تطويره في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم انتشر عالميًا.
-
قدم النظام حلاً عمليًا وفعالًا لمشاكل الهياكل الخرسانية التقليدية، وكان سببًا في ثورة عمرانية كبيرة في بناء المواقف، الأبراج، الجسور، والمشاريع الكبرى.
-
التطوير المستمر في المواد والتقنيات جعل نظام البوست تنشن الخيار الأمثل لمشاريع البناء الحديثة.